يتنوّع الناس في التعامل مع "الحب"، ولهم في ذلك "مشارب" عدة؛ فمنهم من يحب "قولاً" دون فعل، ومنهم من يحب "فعلاً" دون قول، ومنهم من يحب "قولاً" و"فعلاً".
وهذا التعدد والتنوع ينطبق على جميع أنواع الحب، بدءاً بأعظم أنواعه وأجلها وأقدسها "حب الله"ـ سبحانه وتعالىـ و"حب رسوله"ـ صلى الله عليه وسلمـ ومروراً بـ "حب الوالدين" وبقية أنواع الحب..
فلو تأملنا حالنا، وتفكرنا في واقعنا، وعرضنا ما نحمله من حبـ على اختلاف أنواعهـ فلن نخرج عن التنوع السابق لـ "مشارب الحب".
وحديثنا هنا عن "حب النبي"ـ صلى الله عليه وسلمـ ؛ فالمتأمل لواقع المسلمين اليوم وحالهم يجد أنهم فعلاً انقسموا في حبه - صلى الله عليه وسلم - إلى مشارب عدة، والدليل موقفهم مما يحدث اليوم من إساءات متكررة في حقه بأبي وأمي هو صلى الله عليه وسلم؛ فمنهم من ملأ الدنيا صراخاً وبكاءً وعويلاًـ وهو حتى الصلاة لا يؤديهاـ فأي حب هذا الذي يدعي؟! !
ومنهم من عبَّر عن حبه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - "فعلاً"، وذلك باتباع ما جاء به واجتناب ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، لكن دون أن ينبس ببنت شفة إنكاراً لما يحدث له من إساءات صلى الله عليه وسلم.
ومنهم من ترجم "حبه لنبيه"ـ صلى الله عليه وسلمـ "قولاً وفعلاً"؛ فاتبع ما جاء به، واجتنب ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، وسخر كل ما يملك في الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم ببيان مكانته، وتوضيح مناقبه، ونشر دعوته، وتبليغ رسالته، والوقوف بكل حزم وقوة في وجه من أساء إليه، ومقاطعة كل ما يمت بصلة لهذا المسيء عليه من الله ما يستحق.
وأصدق تعبيرٍ عن حبنا لهـ صلى الله عليه وسلمـ ، وأعظم ترجمة لهذا الحب، السير على منهج صحابتهـ رضوان الله عليهم أجمعينـ في تعبيرهم عن حبهم له صلى الله عليه وسلم.
فعندما أحبوه "قولاً" وترجموا هذا الحب "فعلاً" بتطبيق كل ماجاء به، وناصروه، ونشروا رسالته، وتسابقوا على "بصاقه" الشريف، كانت النتيجة تكوين دولة إسلامية قهرت القوى العظمى في ذلك الزمان؛ فهزموا الفرس والروم.
وكوَّنوا دولة أصبحت هي القوى العظمى، تقوم على أساس شرع الله، وتطبقه فعلاً لا قولاً.. وأصبحت منارةً للعلم، ومنبعاً للعلماء، وقِبلة للباحثين عن الرقي والتطور والتقدم والمدنية، وأساساً لكثيرٍ من الحضارات السائدة اليوم.
فلو كنا "نحبه" - صلى الله عليه وسلم - فعلاً.. ! ! لفعلنا ما فعلوا، واتبعنا ما جاء به، واجتنبنا ما نهى عنه، وطبقنا شرع الله التطبيق الحقيقي، وعملنا بقوله تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ).
عندئذ لأصبحنا قوة مهابة الجانب، يحسب لها الآخرون ألف حساب، ولا يفكرون - مجرد التفكير - في التعدي على مقداساتها، والتطاول على نبيها صلى الله عليه وسلم. ولكن عندما تخلينا عن "نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام.. . " كانت هذه النتيجة.. ! !
ولو كنا "نحبه" - صلى الله عليه وسلم - فعلاً.. ! ! لما أصبح كل من يريد رواجاً لسلعته، وكل مَنْ أراد شهرةً، أساء له صلى الله عليه وسلم، مستغلاً عاطفتنا وحبنا له صلى الله عليه وسلم، واندفاعنا للدفاع عنه دون تفكير، وروية، وتخطيط، وتدبير؛ فأصبحنا نردد ما يقولون، ونروج لما يريدون، من حيث لا نعلم، ولا ندرك أننا نفعل ذلك والعياذ بالله!!
وما استغلال مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام، وطريقة تعاملنا مع الأحداث فيها، وطريقة تعبيرنا عنها إلا دليل واضح على ذلك؛ فكم من إساءة رددناها ونحن لا ندرك ذلك، وفعلناها بحسن نية، وسوء فعلٍ وتدبير؛ فسيَّرونا من حيث لا نعلم، ووجهونا لما يريدون من حيث لا نشعر.. ! ! !
الكاتب: ساير المنيعي
المصدر: موقع عودة ودعوة